السبت، 29 ديسمبر 2018

أزور هذا المخيم ( بقلم : توليب )

أزور هذا المخيم منذ أسابيع ... فأنا أعمل ضمن فريق للدعم النفسي تابع لإحدى الجمعيات التي تهتم بمشاكل اللاجئين النفسية وإعادة بناء الثقة والتواصل مع البيئة المحيطة إجتماعيا

هناك الكثير من أناس يتبعون لشرائح إجتماعية مختلفة ... فرقتهم البيئة .. مستوى المعيشة .. مستوى التعليم وحتى الديانة

وجمعتهم الظروف وصفة واحدة ... لاجئون

تابعت حالات كثيرة ولكن هناك طفلة لفتت إنتباهي ... هي دائما كئيبة تجلس وحيدة وبرغم كل الإغراءات التي نقدمها للأطفال من هدايا وألعاب في محاولة لرأب تلك الشروخ النفسية التي سببتها الحرب وآثار رحلة الهروب المريرة إلا أن هذه الأمور لا تعنيها
تغادر مجموعة الأطفال وتجلس وحيدة قرب الشاطئ
سألت عنهاا .. فقالوا انها فقدت جميع أفراد عائلتها

تركت زملائي مع مجموعة الأطفال وأخذت دمية من التي تفضلها الفتيات وقصدت مكان جلوسها على رمال الشاطئ
فجلست بقربها ووضعت الدمية أمامها وقلت ياصغيرة هذه لكي .... فالتفتت نحوي ببرود وأجابت ... اكملت الرابعة عشرة

لست بصغيرة ولا اريد ألعابا .. دعني وشأني وعاودت النظر تراقب غروب الشمس بعينين إتخذتا من زرقة البحر لونهما ولكن لحظة الغروب

هي تشبه حورية بحر فشعرها الذهبي المسدل على ظهرها طاول رمال الشاطئ فكأنما أصبحا جزءا واحدا

حاولت الدخول من باب آخر وسألتها عن إسمها .. فأجابتني جلنار

- اسم جميل أتعرفين مامعناه
-أجابت بهدوء ... زهر الرمان  امي من أسمتني لأني ولدت في موسم زهر الرمان
ولكن أمي لم تعد موجودة وفاض نبع من عينيها وإنهمر كاشلال على وجنتيها وغاص صوتها في بحر من آلام وحزن كثير                                      -تركني الجميع ... لا شيء يستحق الحياة بعد الآن             
أنا أنتظر عودتهم لأخذي             
-ضاعت مني الكلمات وتراجعت كماتتراجع موجة البحر ولم أستطع إجابتها ولو بكلمة ... انسحبت وتركتها وحدها       

ولكني كنت مصمما على إخراجها من دوامة اليأس التي تسحبها 
وفي كل زيارة للمخيم أفتح نافذة للحديث معها عن موضوع ما

.... وكالمعتاد قصدت مكان جلوسها وقلت لها ... جلنار تعالي معي سأريك شيئا                     
في البداية ترددت ومن ثم مشت معي وخلف صخرة كبيرة كانت بعض صغار السلاحف تخرج من تحت الرمال                            - قلت ماهذا                           
- قالت ... صغار سلحفاة               - انظري إليها إنها وحيدة تخرج من الرمال بشق الأنفس .... هذا بعد جهد كبير في محاولة الخروج من البيضة وستكمل رحلتها صوب البحر رغم كل الأخطار المحدقة بها ودونما مساعدة من أحد                       
تركتها أمها بيوضا  .... دفنتها على الشاطئ وهي تعتمد على نفسها لحظة ولادتها 

فقد قدر لها ألا تلتقي بأمها ورغم ذلك تكافح لتصل إلى البحر
انظري عزيزتي قدر الله لمعظم الكائنات ألا تلتقي بأبويها ولكنها تستمر في معركة الصراع للبقاء    

عديني ان تكوني قوية                - نظرت إلي والدموع تغرق عينيها وأشارت إلى صدرها ... هنا يوجد حطام كثير أعجز عن إزاحته وجثت على ركبتيها وهي تبكي بحرقة                             
-إسمعيني .... الحياة لم ولن تكن طريقا سهلا 

إنها جبل مسالكه وعرة ونحن نكافح صعودا ومن ينظر خلفه سيتعثر دوما وكل مايحدث معنا إمتحان وألة لمقياس درجة صبرنا حتى نؤجر عليها               لذلك حاولي ان تتماسكي فالحياة هبة عظيمة من الله أولزم كل مخلوق بالمحافظة عليها وحمايتها وهي لا تتوقف لموت أحد                              
حاولت جعلها تتوقف عن البكاء ... دونما جدوى                
فجلست بقربها وتركتها تبكي ... حتى تعبت وأنا صامت أراقب السماء وقد غزاها الظلام وظهرت النجوم كحبات ماس إنتثرت على ثوبٍ أسودَ أنيق لسيدة تستعد لحفلة            
في هذه اللحظة خرجت عن صمتي وقلت لها .... جلنار إنظري إلى السماء                     
- رفعت رأسها ورمقت السماء بنظرات من عينين إمتلائتا بدموع عكست أنوار النجوم الخافتة  ... فبدتا كمدينة تتلألأ أضواءها في ليلة ضاع قمرها وسط غابة من الضباب
وأجابتني بصوت فقد ملامحه .. لا أرى سوى الظلام
فقلت لها ... في صغري كانت تستهويني مراقبة النجوم لساعات                                 
فلاحظ جدي ذلك وسألني إلام تنظر ... قلت الى النجوم لما هي صغيرة جدا                       
فضحك  .... وقال اتدري ماهي النجوم                                    
فأجبته بفضول ..... لا                 
قال .... هي ثقوب دبابيس في ستائر الجنة وتلك الأنوار البعيدة المتلألئة .... ماهي إلا أنوار الجنة المتسربة من تلك الثقوب            
   هنا رأيت على وجهها تلك الملامح المندهشة على وجهي وأنا أستمع إلى حديث جدي         
جلنار .... كل من نحب ورحل عنا موجود خلف تلك الستائر ينعم بجمال ذاك النور الذي لا يصلنا منه سوى مايتسرب من ثقب دبوس

توليب#
بدي رأيكن بالقصة بصراحة من غير مجاملة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق