.......خيال الظّلّ.......
لا شيء يُثقل كاهل الأيّام كالنّظرة المتشائمة ، إحساس يُحوّلها إلى جمل طاحون ، يدور ويدور ، عيناه يغشّيهما غطاء سميك يُفقده التركيز فيضيع منه الإحساس رويدا ويتحوّل إلى آلة تحرّكها يدٌ في ظلمة غفلة ، كذا هي الأيّام إذا نُزعتْ منها هالة الضّوء وعبق الزّهور.
عقاربُ السّاعات تُصبح جحافل راكضة ، سباقٌ دون هوادة ، همّها الوحيد أن يُبيد بعضها بعضا ، الثّواني تقتل الدّقائق والدّقائق تئد السّاعات في ظلّ كئيب . بؤرةُ ظلمة تسحب البساط من تحت الأيّام ، تسربلُها بهالة سوداء تُحاصر الشّمس ، تمتصّ نورها ولا تفسح لها المجال لتلقيح النّبات فينمو هزيلا تترصّده الدّيدان وتخنقه شرانق الضّياع.
على السّفوح المتهالكة تتبعثر الحياة . خليطٌ من الأوقات تتواتر فيها الأزمات . رغبةُ في راحة هاربة ، سهادٌ يُقرّح الأجفان والكون تهزّه اللّهفة ، يحلمُ ، يرفعُ شعار استنفار واهم . في خضمّ المحاولة يسهو عن أركانه المعتّمة حيث تُعشّش العناكب وتتناسلُ الخفلفيش.
حياةٌ مغايرة تُنسج في ظلمة ، أهلها يتخبّطون في متاهة مُعْسر ، تصدمهم جدران الوهم حيثما التفتوا وهم يتكأكأون في كسوف الشمس وغياب الفجر. هناك تُقام إمبراطوريّة الظّلّ ، قوانينها حاسمة : لا تُعطِ الزّهرة فرصة ، سُدّ كلّ الكُوى قي وجه النّور، اِحذرْ أن تُفكّر في الغد فلن تبلغ منه غاية .
تلك هي النّظرة المتشائمة تقيّد بصركَ فإذا نظرك لا يجاوز دائرة أنفك ، النظرة المتشائمة مقبرة الحلم وأفيون الحياة.
هلْ وعيت أيّها الغافل ، تستطيب الظّلّ فيأكلك ، في قمقمه تفقد كلّ شيء ثمّ تتحوّل إلى لا شيء ، مجرّد خيال ظلّ ، بعضك يلغي بعضك في انتظار أن تضمحلّ .
تونس....29 / 12 / 2018
بقلمي ...جميلة بلطي عطوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق