**** صناديق فارغة *****
-- العم جابر رجل مسن ،عاش وعارك الحياة وعاركته ، هادئ القسمات رغم قسوة تعاريج الزمن في وجهه، باسم الثغر رغم هموم كالجبال شكت من نفسها ولم يشك هو
كان أهل المدينةيحبونه، و يستشيرونه في جل أمورهم لخبرته وحكمته ، ويعرضون عليه كل مشكلاتهم التي ملئت قلوبهم الحزينة جراحا نزيفها مستمر
فهذا أب عقه ولد، وذاك أخ ظلمه أخ، وتلك أم أهلكها هجر الأحبه، وحبيب أدماه حبيب ،وولد أعيته قسوة أمه وأبيه، ومن الحكايات فيض لا ينضب.
-- قرر العم جابر أن يفتح دكانا يكون مصدرا للرزق ووسيلة لمحاربة الزمن وكسر عقارب الساعة .
وأخذ يفكر ماذا يبيع في هذا الدكان ؟ وماهي السلعة التي تضمن له المكسب الأكيد وعدم الفشل؟ وأخيرا هداه تفكيره للصواب
ذهب لصاحب دكان وإتفق معه أن يستأجره منه لمده عام علي سبيل التجربة، فكر الرجل وكان العرض غريبا! !!!لأن العم جابر عرض علي الرجل أن يكون المكسب نسبه من أرباح الدكان عن كل متردد ، ولنقل مبدئيا النصف ،فتهلل وجه الرجل لعلمه بحب الناس لعم جابر وأنه حتما ضامن للمكسب وعلي الفور إعطاه الدكان ، وكان شرط عم جابر الوحيد أن يكون الحساب آخر العام ،فوافق الرجل رغم قلقه من الطلب وأن كانت سمعه عم جابر تشفع له.
-- وتسلم عم جابر الدكان وكتب علي بابه (صناديق فارغة )
انتشر الخبر في المدينة والدهشة والتساؤل يخيمان علي الناس
هل جن الرجل؟ وماذا سبيع في هذا الدكان؟ ولكن حيرتهم كانت تواجهها خبرة عم جابر بشراسة.
جلس العم جابر في دكانه مع خيوط الصباح الأولي وسمي باسم الكريم الجابر أن يوفقه في عمله ، ولم يضع في دكانه الا مجموعه من الأرفف وعليها صناديق متوسطة الحجم مغلقة
وكلما مر صاحب الدكان بعم جابر تعجب من هذا المنظر أين هي السلع التي سيتاجر فيها ؟ومن أين سيدفع نسبته؟ ثم يقول لنفسه: له ماله ولي مالي، موعدنا نهاية العام
-- إستقبل عم جابر أول زائر له رجل في العقد الخامس من عمره دخل اليه متعجبا وسأله: ماذا تبيع ياعم جابر لا أري شيئا لديك؟ فتبسم العم جابر ضاحكا وقال: تفضل وسأعرض عليك بضاعتي وانتق ماشئت.
غاب الزائر لدي العم جابر قرابه ساعتين وخرج من عنده وفي يده أحد الصناديق الموجودة علي الأرفف وصاحب الدكان جالس أمام بيته يشاهد الموقف والحيرة تنازعه
-- وتوارد الزوار علي عم جابر يوما بعد يوم وزاد عددهم وفاض وصاحب الدكان سعادته تغمره بهذا الرواج والحيرة تقتله مما يحدث داخل الدكان ومايبيعه جابر للناس ويحدث هذا الإقبال الرهيب ويحقق تلك المكاسب ويصبر نفسه بنسبته التي تزداد يوما عن يوم
-- وفي يوم من الأيام بلغ الفضول منه مبلغه وقرر أن يسأل أحد المترددين علي الدكان ماذا يشتري من عم جابر؟ فأوقف أحدهم ليسأله ماذا اشتريت من عم جابر لاشتري مثله وانا أري هذا الاقبال عليه ؟
فأجاب الزائر : إشتريت هذا الصندوق
فقال صاحب الدكان : وماذا به؟ قال الزائر: لا أعلم ولكن العمر جابر بعد أن تحدثنا طويلا قال إذهب وخد أحد الصناديق التي أمامك وغدا تدفع الثمن
. جن جنون الرجل كيف يترك الناس دون دفع ثمن السلع؟ وكيف سيدفع له مكسبه ؟ واندفع الي عم جابر غاضبا يسألة عن الأمر فتبسم العم جابر قائلا: ألم نتفق أن الحساب في نهاية العام؟
قال صاحب الدكان: أي حساب وأنت لا تبيع أو تتلقي مالا وتترك الناس يخرجون دون دفع الثمن؟
وخلال الحديث دخل أحد الزوار قائلا لعم جابر: أريد صندوقا
فاستأذن العم جابر صاحب الدكان ليمارس عمله واعدا إياه بما اتفقوا علبه في ختام العام، وظل الحال علي هذا طوال العام وزبائن عم جابر يتوافدون بالمئات والمئات كل يوم وصيته صار كسحب السماء
-- حتي جاء الموعد المحدد مع صاحب الدكان لدفع النسبة فنادي عم جابر في رواده أن يجتمعوا لديه للحساب وحضر صاحب الدكان والكل مترقب ومنتظر لما يقوله العم جابر الذي خرج عليهم بابتسامته الهادئة المعهودة قائلا : لقد جئتموني تحملون هموما وإحزان سنين، وأوجاع تؤرق مضاجعكم وأفرغتموها لدي ومنحت كل منكم صندوقا قلت أن فيه قلب جديد، قلب نظيف بلا مواجع أو آلآم وإرتضيتم سلعتي وإستمعتم لنصيحتي فكيف حال القلوب الجديدة الآن وجراحها؟
هلل الجميع مكبرين شاكرين حسن الصنيع ، معترفين أنهم حملوا اليه أثقالهم وأفرغوها لديه فحملها عنهم عاما كاملا بل وزاد علي ذلك بحلول ونصائح من خلاصة السنين.،واليوم لابد من رد الجميل.
-- خيم الوجوم والصمت علي الجمع منتظرين أن يعرفوا المبلغ الذي سيطلبه العم جابر مقابل هذا العمل والإنجاز العظيم وصاحب الدكان يسيل لعابه علي ماله الذي يحلم به
-- وهناقال العم جابر : حملت عنكم هموم عام كامل وجئتم تدفعون الثمن، فكيف بمن حمل عنكم هموم حياتكم كافة واستمع لشكواكم منذ نعومة أظفاركم وخفف عنكم؟
أخطأتم وعصيتم وعفا وغفر، ومرضتم فشفي وكشفتم عوراتكم فستركم، وكذبتم وأغتبتم ونافقتم فسامح أليس اولي مني بالمقابل؟
-- ماأريده ثمنالعملي هو أن تمنحوني دعواتكم أن يفرج عني يوم القاه، ويتجاوز عن زلاتي وأنا أعصاه، فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة وأنا فرجت عنكم الكثير وأوهمتكم بقلوب جديدة لا تحمل هما فامنحوني أنتم من فضل الله مايرفعني اليه وهو راض عني
-- عم الصمت المكان ونظر الجميع للجميع وعلموا المغزي من لافته الدكان لأول مره وخفضت الرؤوس خجلا، وصاحب الدكان ذاهل مما يري ويسمع ثم تحرك مبتعدا بعد أن سلم عم جابر مفتاح الدكان الي الأبد بلا مقابل نسبته التي وعده إياها مما يأخذ
*************
تمت
بقلم / مايسة إمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق