الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

صاحب حق ( بقلم : مصكفى الحاج حسين )

صاحب حق ...
                                                    
                        قصة : مصطفى الحاج حسين .

**************************************

        زارني بصحبة ( عمر ) مرات متتالية ، حاول

أن يتقرب مني ، دفع عني في المقهى ، امتدح

كتاباتي ، تغزل بشكلي ، قدم لي العديد من لفافاته ،

ومع ذلك لم أزره ، رغم دعواته الحارة والمستمرة .

               عانيت كثيرا حتى حفظت أسمه ، أطلعت

( عمر ) على حقيقة موقفي منه ، فعارضني وأكد

بأن ( صهيب )  إنسان طيب ، فهو رفيق طفولته ،

وصفته بثقل الدم ، خالفني ( عمر ) بشدة ، قلت في

حزم :

        ـ إنه لم يرق لي .

          اتهمني (  عمر ) بالتكبر ، تساءلت عن سبب

نفوري منه ، لم أعثر على جواب .. قال (  عمر ) :

        ـ هل تعلم .. هناك تشابه بينكما ؟!.. وضحك .

طار صوابي ، قلت منزعجا :

        ـ لو تأكدت من أنه يشبهني ، لانتحرت .

ضحك ، وعاد ليتهمني بالغرور .

         لست مغرورا ، بدليل أني أصادق من هم

أدنى مستوى من  ـ صهيب -  .

            اتهمت نفسي بالغيرة منه ، فهو يقاسمني

صداقة ( عمر ) ،لكن ( عمر ) يملك أصدقاء عديدين

غيره ، فلماذا أكره ( صهيب ) وحده ؟!.

        كنت أهتاج من لطفه معي ، من إبتسامته كلما

التقت نظراتنا ، وأكثر ما كان يغيظني اعتناقه

لمبدئي ، وإعجابه بكل ما يعجبني ، وصلت إلى رأي

قاطع :

        ـ  ( صهيب )  ، مجامل ومتملق .

لم يوافق ( عمر ) بالطبع .

        قررت أن أتحاشاه ، لذلك طلبت من ( عمر ) أن

لا يزورني برفقته ، وأن لا يصطحبه إلى المقهى .

               اشتعلت حنقا حين اكتشفت أن لقاءاتي

( بعمر ) قد تباعدت ، فأدركت أنه يفضله عليّ ، وأنا

أحب ( عمر )  ولا أستغني عنه ، عزمت على

معاتبته ، لكنه عند لقائنا ، رفع إصبعه بوجهي :

        ـ أنت السبب يا ( محمود ) .     هتفت

مستغربا :

        ـ أنا ...؟؟؟!!!

        ـ ألم تطلب إبعاد ( صهيب ) عنك ؟ .

        ـ لكني لم أقل إبتعد أنت معه . 

    رد بصوت حاسم :

        ـ  ( صهيب ) أيضا صديقي .

        تضاعف كرهي له ، فكرت أن أضع ( عمر ) بين

خيارين ، لكني تراجعت ، خشيت من ردة فعله ،

فماذا لو أنه اختار ( صهيب ) .

        قلت بتودد :

        ـ عندما تعارفنا .. لم يكن ( صهيب ) بيننا .

قاطعني :

        ـ أنت تعرف أنه كان مسافرا .

تجاهلت حنيني ( لعمر ) ، حاولت أن أنصرف إلى

غيره من الأصدقاء .

        إسبوع مضى وأنا أرقب طلّته على المقهى ،

أنتظر قدومه إلى بيتي ، وعندما تمددت فوق

سريري ، وجدتني أفكر بزيارته .

        صدمت بوجود ( صهيب )  ، الذي رحب بي

بفتور ، تأكدت أن ( عمر ) قد أطلعه على حقيقة

موقفي منه ، فأرجأت عتبي .  لم أكن مرتاحا لتغير

موقف ( صهيب ) مني ، فسألته عن أحواله

وأخباره ، ولأول مرة طلبت منه أن يلاعبني

الشطرنج .

        أحسست بسعادة غامرة ، حين وجدته يعود

إلى عفويته معي ، ويعاملني كما كان في السابق .

تعمدت إنهاء السهرة ، لحظة أراد ( صهيب ) وداعنا ،

خرجت برفقته ، سرنا طويلا ، تحدثنا ، وعند بيته

دعاني للدخول ، قلت :

        ـ رغم تأخر الوقت ، سأدخل وأشرب القهوة

عندك .

            احتفى بي لدرجة أني خجلت من نفسي ،

أحسست نحوه ببعض المودة والإحترام ، قدم لي

ابنته البكر ، قبلتها .. وداعبتها قليلا ، ثم عرفني

على زوجته ، رحبت بي ، وطلبت أن تتعرف إلى

زوجتي ، لأن زوجة ( عمر ) حدثتها عنها كثيرا .

        وقبل أن أنصرف ، اتفقنا على موعد لزيارة

عائلية .

نشبت صداقة قوية ، بين زوجتي وزوجته ، نجتمع

نحن الثلاثة ، في غرفة ، بينما تجتمع زوجاتنا ، في

غرفة أخرى .

        خلسة ، أخذ ( عمر ) يعلق ويطلق نكاته ،

يذكرني بمواقفي السابقة ، من ( صهيب ) ، قلت

ضاحكا :
        ـ سبحان مغير الأحوال .

        بعد فترة برزت أمامي مشكلة ، زوجتي

الحامل ، تحتاج إلى عملية قيصرية ، أسعفتها ،

واتّصلت ( بصهيب ) ، سعدت كثيرا إذ وجدته يهرع

لنجدتي ، قائلا :

        ـ اطلب من النقود ما تشاء .

        كنت مسرورا لتجاوز الأزمة ، بمعونة

( صهيب )  ، فقضيت سحابة يومي في بيتي ،

ومخيلتي ترسم لي سعادة وردية ، بقدوم طفلنا

الرضيع ، غفوت على عطرها ، بعد يوم شاق .

        كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ،

عندما تنبهت إلى صراخ زوجتي :

        ـ ( محمود ) .. انهض ، هناك من يطرق الباب .

        قمت بتثاقل ، كان ( صهيب )  واقفا ، يحدق

إليّ ، اعتقدت أنه جاء بغية الإطمئنان ، على وضع

ربة بيتي ، شعرت نحوه بالإمتنان .. واعتراني ندم

شديد على مواقفي السابقة منه ، افترت شفتايّ عن

إبتسامة ، لم تكد لتستقر ، حتى استلّتها عبارته

الصارخة :

        ـ أهكذا زوجتك يا (  محمود ) ؟!.. تدخل بيتنا

لتسيء إليه .!

شدهني كلامه هذا ، جمدني ، طير النوم  من عينيّ :

        ـ خير إن شاء الله !!!.. مابها زوجتي ؟!؟! .

رد بانزعاج :

        ـ تصف زوجتي بالبرودة ، وثقل الدم !!!.

اغتصبت إبتسامة باهتة ، عساني أعيده إلى توازنه :

        ـ من قال لكم .. هذا الكلام الفارغ ؟!؟!.

أجاب .. وكله يرتعش :

        ـ (  صباح ) .. زوجة ( عمر )  .

همست معاتبا :

        ـ أجئتني الآن .. من أجل هذا القول التافه ؟!.

صاح كمن فقد رشده :

        ـ أنا أريد نقودي ... لأنكم تتنكرون للمعروف .

        دارت بي الأرض ، دلق إبريق من الماء المثلج

على ظهري ، قلت وحنجرتي تكاد تنفجر :

        ـ حاضر يا ( صهيب ) .. غدا أدبر لك المبلغ .

صرخ وكأن عقربا لدغته :

        ـ أنا لست مستعدا للإنتظار ، طالما زوجتك

تكلمت عن ( غادة ) .

فار الدم في عروقي ، تذكرت نفوري منه ، الآن فقط

عرفت السبب ، احتقرت نفسي ، لأني رضخت

( لعمر ) ، ووطدت علاقتي به ، حقدت على ظروفي

التي جعلتني احتاجه :

        ـ هل أقرضتني النقود ، حتى تذلني ؟!.

زعق بوجهي ، وكأنه يريد أن يوقظ سكان الحارة :

        ـ أنا منذ البداية ، قلت ( لعمر ) ، إنك لا تصلح

لي صديقا .

قهقهت أعماقي المتخمة بالقرف ، شعرت بازدراء

نحوه ، هتفت :

        ـ الحمد لله إنها جاءت منك .. غدا أبعث لك

نقودك .

دس يده في جيب سترته ، أخرج ورقة :

        ـ اذاَ ... وقع لي على هذا الإيصال .

               امتدت يدي الراعشة ... وبدل أن تطال

الورقة ، طالت خده .&

                         مصطفى الحاج حسين .
                                 حلب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق