حكاية شرشف (قصة قصيرة )
وجعي..
تساقطت الألوان بقربي ..فامتزجت هياماً بها ..توحّدنا خيوطا" على نول، يصدر أصواتا"، تشبه زقزقة العصافير في صباح ربيعيّ.
بدأت رحلتي ...وأصبحت شرشفا" أملسَ في اعلاه زهرة (لوتس )وعند يساره باقات بنفسج، ينتهي بثغر يرسل القبل، داخل قطعة "بلاستيكيّة" شفّافة كتلك النّافذة في ذلك المشغل، أصبحت أنتظر، من سيرى جمال ألواني؟من سيشعر بعشقه؟ ليأخذني معه في رحلة الّلاعودة.
بدأت الشّمس تغزل عطرها على رفوف الخشب الصّامتة، وأنا قابعٌ في عزلتي، أتثاءب قهرا" ومللا"!
أتاني القدر، وتبسّم لي: رجل في عقده الخامس، سبقه الشّيب المتساقط بدلال على محيّاه إلى داخل المتجر؛ كان ينظر إلى كلّ شيء، كنظرة صقر عند حافّة هاوية مرعبة .. بنظرة تضجّ بألف معنى ومعنى، توجّه نحوي، قال للبائع:" أريد هذا الشرشف"!
ابتلعت جسدي مرّات ومرّات، علّني أختفي بسحر ساحر، لأنّ عنجهيّته لم تعجبني، لكأنّ قامته الفارعة الطّول، شجرة نخيل لا روح فيها. في خضمّ خوفي ... حملني صاحب المتجر المنتصر، لأنّه سيتخلّص منّي، ليعبّىء جيبه بمال، يجنيه بسرعة البرق.
دوّخني، وهو يلفّني يساراً ويمينا"، كخروف يساق إلى الذّبح، فبدأت أسمع قرقعة الأكياس، تضجّ في وحدتي.
وصلت إلى مكان جديد: غرفة ذات ستائر تنساب بكل أناقة ..أريكة باذخة، تتعالى بصمت، وبضعة زهور هنا وهناك. بوحشيّة لم أعهدها، وبيد خشنة تشبه ضربة فأس، تقطع جذع شجرة صامدة، رماني على السّرير، وأخذ يشدّني، حتى تكسّرت كلّ الورود بداخلي؛ وجدت نفسي مصلوبا" بلا رجاء في ظلام ولا أحد.
ملأت رأسي رائحة كفن؛ مرّت لحظات ..ربما ساعات ...عاد مع ضحكات ..ورائحة خمر، جعلتني أشعر بالغثيان، وصوت امرأة، لم أستطع تمييز عينيها من ثغرها، المجبولين بألوان قوس قزح من فرط تجمّلها، لكنّني استطعت رؤية صدرها العاري بكلّ وقاحته!
أغمضت روحي، وبكيت: لقد كنت الشّاهد على أبشع الّلحظات ..كان يضربها ضربا" مبرّحاً،ثمّ يقبّلها، ليعود ويركلها، فأسمعها تارة" تبكي، وتارة" تضحك!!. تقوقعت على نفسي، ناشدت الثّواني ..تصلّبت عيناي على السّاعة أترجّاها، أن تسرع؛ شعرت بثقل الجّبال على أحلامي حين ارتمى المارد على أجزائي، فسمعت قرقعة أضلعي، وأحسست بهسيس نار تلك الغانيه تشرذم نقائي ،خلخالها قطع غروب شمسي، صراع في أعماق روحي ..حتّى أغمي، عليّ، ولم أسمع سوى صوت مال يرتمي هنا وهناك عند أقدام يأسي وألمي.
لحظات، وجدت نفسي مرميّا" على الأرض، لا قيمة لألواني، ولا لورودي! كم تمنيّت العودة إلى حبائل النّول، فقد كانت أحلامي أجمل، حين كنت، أتخيّل نفسي أغمر طفلا" رضيعاً، أو أغطّي أمّاً، ترضع من ثديها فلذة كبدها، أو أدفّئ حضن امراة عجوز، اشترى لها أولادها شرشفا" فيه كلّ جمال الكون، لتهنأ في رحلتها السّماوية.
تقمّصتُ روحي فانتفضتْ، وغابت تعيش قميصاً جديداً !عدت حبلاً يغوص بفرح على حبل نول ... صراخاً ..ضجيجاً.
استفقت من غيبتي، فرأيت نفسي عند سياح الحزن مرميّاً ،أنوح على أحلامي بصمت ....
سهى زهرالدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق