الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

استراتيجيات ( بقلم : محمد دريدي )

من كتابي
استراتيجيات
العزم و التردد
العزم خصيصة صناع التاريخ و بناته، لذلك سمى الله تبارك وتعالى الصفوة من رسله و أنبيائه (أولو العزم)
العزم الثبات على المبدأ و الثبات على النهج الموصلة للأهداف فى صلابة لا تتزعزع و شكيمة لا تقبل لين و   مرجع ذلك إنغراس المبادئ عميقا فى النفوس و وضوح الأهداف جلية بينة كأنها ثمار معلقة نراها رأي العين و ليس بيننا و بينها إلا تسلق و قطف
عبر النبي صلى الله عليه وسلم على الصلابة والثبات على المبدأ و على وضوح السبيل و النهج حين أرسلت إليه قريش  من يفاوضه فى شأن دينه يعبدون رب محمد يوما ويعبدون و محمد ربهم يوما و رغم تنازلاتهم أجابهم فصلا قاطعا :
لكم دينكم و لي دين
الأمران متناقضان و المتناقضات لا تجتمع إلا في عقل مجنون و ذلك لا يليق بسيد الخلق و أكملهم عقل
صورة أخرى للثبات عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمه أبو طالب رسولا من قريش تعرض عليه الدنيا مقابل التخلي عن الدعوة إلى الله فقال :
و الله يا عماه لو وضعوا الشمس على يميني و القمر على يساري على أن أترك هذا  الأمر أو أهلك دونه ما تركته حتى تنفرج سالفتي هذه، يريد أهلك دونه و هو قول فصل لا يقبل مواربة أو تأويل
فى تاريخ الجزائر الحديث عبر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله على الثبات على المبدأ و النهج بصورة رائعة راقية حين قال يعلم مستمعيه و يغرس فيهم فن صناعة التاريخ :
لو قالت لي فرنسا قل لا إله  إلا الله ما قلتها
يريد بذلك أن المشروعين متناقضين لا يلتقيان أبدا و أن أحدهما لا. يقوم إلا بهدم الآخر و أن الآخر مستعد لتلبس لبوس الإسلام و رفع راية لا إله إلا الله إن كانت تخدم غرضه و هو ما يحدث اليوم للأسف الشديد
فالشباب المسلم يسوقه الغرب من ساحة إلى أخرى زورا و كذبا باسم لا إله إلا الله والله أكبر و الرايات السود معتقدا الجهاد فى سبيل الله فيما هو يخدم الشيطان و يدمر حياض الإسلام
رجل آخر كريم من رجال نوفمبر المبارك العربي بن المهيدي رحمه الله عبر عن الصلابة و الثبات حين قال لجلاديه :
لقد أمرت عقلي أن لا يقول لكم شيئا
فأسلم الروح لبارئه تحت التعذيب لم ينبس ببنت شفة
فى شق التردد يقدم التاريخ الإسلامي القريب و البعيد صور و مقولات معبرة
معاوية رضي الله عنه زمن صفين إلتقى عقيل بن أبي طالب أخا علي كرم الله وجهه و رضي عنه فقال له:
أي عقيل ما تقول في و في علي فقال :
صلاتي مع علي أقوم و طعامي مع معاوية أدسم يريد بذلك إنفصام الحياة المادية عن الروحية فى الضمير المسلم و هو الذي عبر عنه مالك بن نبي رحمه الله بمقولة المسلم داخل عتبة المسجد و المسلم خارج عتبة  المسجد و نحن اليوم نعرف أقوام ياكلون فى كل الموائد و يبكون فى كل المآتم و يصلون فى المساجد و الكنائس و الأديرة شعارهم فى ذلك مصلحة تبرر مجرمة
نفس المعنى عبر عنه الفرزدق الشاعر لما سأله الحسين بن علي رضي الله عنهما عن أمر الناس فقال له :
إن قلوبهم معك و سيوفهم عليك
يريد أن الصوره غير واضحة و المبادئ غير ثابتة العواطف فى جهة و العقول فى أخرى و الناس أمرهم إلى الكثرة يميلون حيث تميل
صورة ثالثة معبرة نستقيها من سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه و قد أرسل إليه معاوية رضي الله عنه أن أقبل علي فاستشار ولديه فى الامر
أما عبد الله رضي الله عنه فقال له :
يا أبتاه قد مات رسول الله و هو عنك راض و كذلك صاحباه فالزم حيث أنت فإنها فتنة
أما محمد رضي الله عنه فقال ؛
يا أبتاه أنت من وجوه الناس، و ناب من الأنياب و ما أرى أن تقعد إذ يقومون و تتأخر إذ يتقدمون
فقال عمرو رضي الله عنه أما أنت يا عبد الله فأردت آخرتي و أما أنت يا  محمد فأردت دنياي ثم نادي يا وردان أشدد الراحلة فعاد و نادى يا وردان أحلل الراحلة فعل ذلك مرات فقال وردان
قد اختلطت الدنيا و الآخرة فى عقلك يا عمرو فقال :
و الله ما بعدت عما فى عقلي قيد أنملة
فى زمن الناس اليوم يظهر التردد فى صورة مقولتين شهيرتين
الأولى تأتي فى صورة جواب مفاده نعم و لكن و هي إجابة تحمل الغموض و التناقض و أحيانا السلب و الايجاب ما يجعل محصلتها صفر و هي نتيجة لا يحبذها أحد بحال 
الثانية إشتهرت فى المشوق و عندنا تعرف ب؛
سياسة مسك العصا من الوسط و هي تعبر  بصدق عن التردد
فمسك العصا من الوسط لا يفيد إلا التوازن الضروري للرقص و أما الهش و المآرب الآخري التي طلبها موسى عليه السلام من العصا فتقتضي المسك من أحد الطرفين
إن تردد الاستراتيجية التركية بين الغرب  و الشرق أوقعها فى مأزق حاد فبدلا من سياسة العمق الاستراتيجي و الصفر مشكلات المعلنة  وجدناها ثغرق إستراتيجيا و تجترح مئة بالمئة أو كما يقول أحد الأتراك ماكسيموم  مشكلات
المعاني مجتمعة عبر عنهاالشاعر قال ؛
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة.
فإن فساد الرأي أن تترددا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق