الأحد، 1 يوليو 2018

باثور رئيس المخفر

باثور رئيس المخفر ...

                                قصة : مصطفى الحاج حسين .

       في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيس المخفر ، ( أبو

رشيد ) يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ، عند باب

المخفر ، حيث كان يدخن ، ويتلهى بمراقبة القرية

القريبة ، عبر منظاره الجديد ، وإذ به يلمح رجلاً قروياً

يتّجه إلى العراء ، وحين ابتعد عن الأنظار ، تلفت يمنة

ويسرة ، ثمّ رفع ( كلابيته ) على عجلٍ ، قرفص ، وخلال

دقيقة تناول من قربه حصوة ، مسّح بها ثمّ نهض .

       استرعى هذا المنظر ، اهتمام رئيس المخفر

وفضوله ، فصرخ على الفور ينادي ( الرقيب خليل ) ،

ولمّا خرج إليه   ( خليل ) ، أمره قائلاً :

- إذهب إلى هناك .. وأشار بيده صوب القرية ، ناحية

القروي ..

- أحضر ذاك البدوي بسرعة .

       امتطى( الرقيب خليل ) حصانه ، وانطلق صوب

القرية مسرعاً .

       كان الرجل القروي ، قد اقترب من قباب القرية ،

حين ناداه الرقيب :

- قف .. عندك  .. لا تتحرك .

       انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي ، تلعثمت

كلماته :

- خير ياوجه الخير !! .. ماذا تريد ؟!

- امشِ قدامي إلى المخفر .. هيّا تحرك .

       تضاعف الخوف في أعماق القروي ، وأراد أن

يستفسر :

- ولكن لماذا ياوجه الخير .. أنا لم أفعل شيئاً ؟! .

       صاح( الرقيب خليل ) من فوق حصانه ، الذي لم

ينقطع لهاثه ، بعد :

- تحرّك ياكلب .. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي .

- لكن ياسيدي ...

       لم يتركه يكمل كلامه ، فقد اقترب منه ، وهوى عليه

بسوطه .. صارخاً :

- تحرّك .

       كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة ، والرقيب من

فوق حصانه ، يحثّه مرّة على العجلة ، ويسوطه مرّة

أخرى .

       اقترب من رئيس المخفر ، فتطلّع الرجل إلى ( أبي

رشيد ) بهلع ، بينما كانت مفاصله ترتعش .. رمقه رئيس

المخفر بنظرة صارمة ، ونهض :

- الحق بي إلى مكتبي .

       حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل ، المرتعد

الفرائض ، أيقن أن جريمة فظيعة ، سوف تنسب إليه .

       غير أن رئيس المخفر ، نظر إليه وابتسامة لزجة

ارتسمت تحت شاربيه :

- ما اسمك ؟ .

- أنا ياسيدي .. اسمي .. ( خميس ) أبو حسين .

- أريدك يا أبا حسين ، أن تحدّثني بصراحة .

       واندفع ( خميس ) ليقسم لرئيس المخفر ، وكان

الخوف قد بلغ ذروته :

- أنا والله لم أفعل شيئاً .

       ابتسم رئيس المخفر ، أدرك أنه رجل ذو هيبة ،

يخافه الجميع :

- لقد شاهدتك وأنت تقرفص ( وتفعلها ) بسرعة .

       علت الدّهشة وجه ( خميس ) همس كمن يقر بذنبه :

- نعم .. فعلتها .. لماذا أكذب ؟! .. ولكنني لم أكن أعرف

أن هذا ممنوع .

       صرخ رئيس المخفر :

- اسمعني ياغبي .. لا تقاطعني .. الحكومة لا تمنع مثل

هذه الأمور ، لأنها لا تعتبر من الأعمال السياسية .

       ثم استدرك محاولا شرح الموقف ، للمواطن

( خميس ) ، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن :

- أنت - فعلتها - بسرعة ، وأنا أمضي أكثر من ساعة في

المرحاض ، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع أن - أعملها

- مثلك ، بعجلة .. أنت لا تعرف كم أنا أعاني وأتعذّب كلّ

يوم .

       بعد جهدٍ استطاع المدعو ( خميس ) أن يفهم

مايريده منه رئيس المخفر ، ولأول مرّه يزايله خوفه ،

ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه ابتسامة :

- أمن أجل هذا أرسلت في طلبي ؟! .

- نعم .

- بسيطة .. ياسيادة رئيس المخفر .. القضية في غاية

السّهولة .

       وهنا استبشر رئيس المخفر ، خيراً ، فهتف بفرحة :

- كيف ؟؟؟؟؟ .. قل لي .. أرجوك .. فأنا أتعذّب .. وأضيع

معظم وقتي داخل المرحاض .

       تضاعف شعور ( خميس،) بثقته بنفسه ، فها هي

الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها ، تلجأ إليه

وتستشيره ، في قضية على غاية من الأهمية .. لذلك

أجاب :

- أنا ياسيدي .. عندما أتضايق ، أحاول أن أؤجلها .. وكلما

تضايقت أضغط على نفسي ، حتى - أحمّصها - ، وعندها

أهرع إلى البريّة ، وخلال دقيقة أكون قد انتهيت .

       ابتسم رئيس المخفر .. شعر بالراحة والسعادة ،

أخيراً سيضع حداً لهذا العذاب المضني ، وأقسم في

أعماقه ، أن يكافئ ( خميس ) إن نجحت وصفته هذه :

- إذاً عليّ أن - أحمّصها - ، أليس كذلك ؟ .

- نعم سيدي .

       في اليوم التالي ، رفض رئيس المخفر أن يدخل

دورة المياه ، قبل أن يغادر ببته . توجه إلى المخفر ،

وهو يشعر بالضيق بعض الشيء ، لكنه سينفذ ماطلبه

منه ( خميس)،  - سيحمّصها - .

       وحين دخل إلى مكتبه ، استدعى كافة عناصره ،

كعادته ، ليشربوا الشاي .. لكنه سرعان مابدأ يتململ في

قعدته ، فوق كرسيه ، ومع هذا كان يردد بداخله :

- ليس الآن .. عليّ أن أنتظر ، حتى - أحمّصها - ،

( خميس ) قال لي هذا .

       مضى كثير من الوقت ، وهو يثرثر مع عناصره ،

محاولاً كبح مؤخرته ، عن الانفجار .

       أخيراً ، شعر بمغصٍ شديد ، مغص لا يقاوم ، كأنه

الطّلق .. نهض عن كرسيه ، حاول أن يتجاوز كراسي

عناصره بسرعة ، لكنّ صمام الأمان أفلت منه ، فها هو

وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة ، كانت ( ضرطته ) بقوة

انفجار قنبلة .. أحسّ بالخجل الشديد ، لم يلتفت صوب

عناصره ، الذين تغامزوا ، وضحكوا بعد خروجه .

       وفي الممر .. ممر المخفر الطويل ، وقبل أن يصل

إلى بيت - الخلاء - حدث ما لم يكن في الحسبان ، لقد -

فعلها - في بنطاله .. ياللعار .

       أقسم أنه - سيفعلها - في فم ( خميس)  ، حلف أنه -

سيخصيه - ، سيدق رأسه ، سيرميه في الزنزانة ،

وسيجعله عبرة لكلّ الناس .

       وبعد أن غير بذته العسكرية ، رمق عناصره بنظرات

حادة وصارمة ، أخرست ضحكاتهم المكتومة ، أمر

الجميع ، باحضار المجرم ( خميس ) .

       خرجت كوكبة من رجال الشرطة ، هرعوا إلى

الاسطبل الملاصق للمخفر ، امتطوا جيادهم بسرعة ،

لكزوا الخيول ، فانطلقت محمحمة باتجاه القرية .

       حاصروا بيت المدعو ( خميس ) ، صاحب النصائح

الكاذبة ، المخادعة ، داهم ( الرقيب خليل ) ، وبعض

العناصر ، القبّة الكببرة ، انطلقت صرخة ذعر من امرأة ،

كانت تغتسل عند العتبة ، حاولت أن تستر عريها ، لكنّ

( الرقيب خليل ) الذي حاول أن يتراجع ، كان يحدّق

بانشداه تام ، إلى هذا الجسد العاري المثير ، والذي تفوح

منه رائحة الصابون ، وبخار الماء السّاخن ..وتحيّرت

عيناه أين ستركزان النطر ، على النهدين الصاعقين  ، أم

على الفخذين المكتنزين .

       صاحت المرأة ، لتوقظه من دهشته ، واشتعال

شهوته :

- ماذا تريدون ؟! .

       زأر ( الرقيب خليل ) ، المتأجج بشهوته :

- نريد .. المجرم ( خميس ) . صاحت وهي تحمي نفسها ،

بثوبها :

- هل صار زوجي ( خميس ) مجرماً .. ماذا فعل .؟!

       ثم أردفت :

- هو ليس هنا .. غير موجود .. نزل إلى حلب .

       مدّ ( الرقيب خليل ) رأسه أكثر ، ليستجلي المكان

بدقة ، وكانت نطراته تنهشان الجسد العاري ، رغم تستر

المنطقة المهمة بالنسبة له ، واستطاع رفاقه أن يدلفوا

جميعهم ودفعة واحدة ، إلى القبة الطينية ، تسبقهم

شهواتهم المتقدة بقوة .فصرخ ( الرقيب ) بوجه المرأة ،

ليطيل الوقت أكثر :

- إذاً فعلها زوجك ( خميس ) وهرب .. ولكني سأجده ،

وحق المصحف .. سأجده .. لن أتركه يفلت منّي .

     شعرت المرأة بذعر شديد .. وكانت قد نسيت ماعليها

من عريّ .. سألت :

- ماذا فعل ( خميس ) .. أخبروني ؟!.

- المجرم خدع رئيس المخفر .. وهرب .

       عندما عاد عناصر الشرطة ، بقيادة الرقيب ، إلى

المخفر ، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم

غريمه القروي ، ثار عليهم وراح يوبخهم ، لأنهم عادوا

من دون ( خميس ) ، مبالغاً بغضبه، لكي يواري خجله

منهم ، ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة توجه إليه ، من أحد

عناصره ، فقد عاد وأمرهم أن يخرجوا إلى الطريق ،

وينصبوا كميناً ، بانتظار ( خميس ) ، وأقسم لهم بأنه

سيعاقبهم إن لم يستطيعوا القبض عليه اليوم .

       حين وصل ( خميس ) مكبلاً ، مدمى الوجه ، وممزق

الجسد ، وكان هو الآخر قد - فعلها - من شدّة خوفه

وهول ماتلقاه من ضرب مبرح ، حين قبضوا عليه ، بعد

أن نزل من السيارة ، العائدة من حلب .

       ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد الشحوب :

- أتضحك عليّ ياصعلوك ؟! .

       رد بصوت منكسر ، فيه من الخوف والرجاء الشيء

الكثير :

- ولكن ياسيدي .. أرجوك أن تدعني أشاهد البنطال .

       استغرب رئيس المخفر طلبه هذا ، لكن ( خميس )

أصرّ وكرر رجاءه .. باحضار البنطال .

       فأمر رئيس المخفر عناصره  ، و على مضض منه ،

باحضار البنطال فوراً .

       وحين أمسك ( خميس ) بالبنطال المبلول ، والكريه

الرائحة ، نظر إليه ملياً .. قربه منه .. تفحصه بشدة ،

تشممه .. وعاود الشمّ ، ثمّ مدّ أصبعه ، وأخذ من البنطال

عينة ، ورئيس المخفر وعناصره ، يراقبونه ، باندهاش

وحيرة ، ثم فاجأهم ( خميس ) حين وضع أصبعه وما

عليها من براز ، في فمه ، حيث لحس أصبعه ، تذوق

ماكان عليها ، ثم التفت إلى رئيس المخفر ، وقال:

- أنا قلت لك ياسيدي ، أن - تحمّصها - ولكنك ياسيدي ..

أنت للأسف الشديد ، قد أحرقتها  ، وهذا ليس ذنبي .

                       مصطفى الحاج حسين .
                                    حلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق