أقف هنا ... في نفس المكان منذ عشرة أعوام أوربما أكثر
اراقب الحديقة التي تشرف عليها غرفتي رأيت آلافا من البشر
يعبرون ولكني لم أتجرأ يوما على ترك مكاني والنزول ... إلى أن رآني هو ....
كان يراقبني .. لاحظت هذا
الى أن صعد إلى غرفتي أخيرا
جمدت مكاني
فأنا لم أكلم أحدا منذ عقد من الزمن
اسمع الجميع ولا أتكلم
قال لي .... لما تنزلين معنا الى الحديقة
- لكني لا أستطيع مغادرة الغرفة وتركها
- نظر اليها وقال دعيها إنها نائمة
أمسك بيدي ونزلنا
كانت المرة الأولى التي أخرج فيها الى العالم من بؤس هذه الغرفة
أشعر بالجميع حولي ولا أحد يشعر بي
قال لي .... انا من هنا من المشفى القريبة .... أنا منذ شهر فيها اصبت بحادث سير
ويغط جسدي في غيبوبة ... ملت روحي الغرفة
تركتها وخرجت ... فوجدت الكثيرين مثلي يهيمون في الشوراع .. وانت
- أنا ....
- هل نسيتي من انتي
- لا ولكن قصتي غريبة
- وهل تتوقعين اني سأمّل وأرحل ... لاعمل لدي فجسدي موصول بعشرات الأجهزة
وسأظل أسمعك حتى الصباح
- كنت في العشرين تقريبا ... مخطوبة وأحضر لحفل زفافي
دخلت المطبخ يوما لأساعد أمي
أخرج الغسيل من الغسالة
فصعقتني الكهرباء ... توقفت عن التنفس .. توقف قلبي
خلال عملية اسعافي ... يأس الطبيب وعندما قرر اعلان وفاتي
رجته أمي وهي تبكي أرجوك حاول مرة الأخيرة
وكانت عملية انعاش أعادت قلبي الى الحياة
قلبي فقط .... ماتت كل الخلايا العصبية وتشنجت وأصبت بشلل كامل
وارقد في هذه الغرفة منذ عشرة اعوام أوربما أكثر حتى مللت حساب الايام
جسد هزيل متقوقع ... حتى الطعام أحتاج لم يدخله جوفي عن طريق انبوب موضوع على رقبتي
احيانا يغط جسدي في غيبوبة
أمل الرقود داخله
اخرج ... واراقب هذا الجسد الملقى على السرير دون حراك
فجأة وقف ... وشدني من يدي وقال تعالي معي سأريك
اين انام انا
وذهبنا الى المشفى ودخلنا الغرفة
كان ملفوفا بالشاش ولايوجد سوى صوت الأجهزة
وبعدها خرجنا وسرنا في الشوراع
نظرت اليه .. ارجوك خذني الى مدينة الملاهي إنها أكثر مكان إشتقت اليه
أشتاق الأرجوحة الكبيرة
ومنظر أضواء المدينة من الأعلى
ونسمات الهواء الباردة وهي تلفح وجهي
تدري ..... لقد إشتقت الشعور
- لم أفهم ماذا تقصدين
- تركته واتجهت نحو مقعد الحديقة الخشبي ووضعت يدي عليه فعبرت من خلاله ... نظرت اليه بألم
إنظر ..... أتمنى أن أشعر بملمس الأشياء أن أشعر بصلابة الحجر
بنعومة فستان الحرير الأبيض المعلق في خزانتي ولم أستطع إرتدائه ... أشعر بالبرد ... بالدفئ
اشتهى طعم التفاح ورائحته
ليس الموت أسوء مافي الأمر
جربته مرة كان أهون من موت المشاعر
فقدان الإحساس أشد قسوة
إقترب مني ... حاول أن يمسك يدي لكن دون جدوى
وقال تعالي سآخذك الى مدينة الملاهي
أمضينا الليلة وطول اليوم في مدينة الألعاب
ولمدة شهر كامل ... جبنا كل شبر في المدينة
مرت الأيام بسرعة ومرت معها اللحظات الجميلة
قبل غروب الشمس بقليل بدا طيفه يختفي
حاولت التمسك به لكن دون جدوى
ابتسم .... ابتسامة خائفة من مجهول وقال لي يبدو أن ساعتي حانت وهو الفراق
حاولت الوصول الى المشفى وعبرت الجدار بسرعة
شاهدتهم وهم يفصلون جسده عن الأجهزة ويعلنون خبر وفاته
حاولت أن أصرخ ... أن أبكي ولكني لم تستطع
لأول مرة منذ زمن أشعر بهكذا ألم
حتى جسدي الملقى على السرير إرتعش بطريقة غريبة
وبكى بحرقة ... حتى أهلي لاحظوا هذا
كنت أجلس أراقبهم وهم خائفون وامي كانت تبكي عند رأسي
تناديني ... مابك اليوم عزيزتي
- أجبتها ... كيف أخبرك بأني فقدت أحدهم
فقدت من أحببت .. فقدت من أعاد لي جزءا صغيرا من الحياة
لقد رحل ياأمي ... رحل وتركني
لبؤس هذه الغرفة
حبيسة هذه الجدران ... أحدق بسقفها منذ أعوام رحل ... رحل
في هذه اللحظة كانت دموع غزيرة تغسل ووجهي الشاحب بكيت كثيرا حتى أنهكني التعب
ومع مغيب الشمس جلست بزاوية الغرفة حتى فقدت الرغبة بالوقوف ومراقبة الحديقة من النافذة
لأول مرة تفوح للبؤس رائحة .. رائحة كريهة والسكون يصدر صوتا مخيفا
الغرق ألما ... هذا حالي
غرفتي المظلمة ... غزاها نور قوي فجأة
وإذا بطيفه قد ازداد نورا يقف أمامي
ابتسم ... وقال لي
هل كنت تعتقدين بأني سأدعك في هذا العالم البائس
هاتي يدك ... سأحررك للابد من سجنك
السماء مكان جميل وواسع هيا
أمسك يدي
لأول مرة منذ زمن أستطيع ان أشعر
صرخت انا أحس بسعادة
... ضحك وقال لي هذا أول شعور عاد اليك وهو الاخير
ليلتها خرج نور رائع من نافذتي
لم يره أحد سوى الأطياف التي تجوب الحديقة ..
في الصباح دخلت والدتي الغرفة
وجدتني ميتة ... لكن ابتسامة رائعة ارتسمت على شفتيي الباردتين
حاولت منع دموعها .. لانها شعرت ان ابنتها سعيدة في مكان ما
توليب#
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق