السبت، 9 فبراير 2019

الواقع والواقعية الإنتقادية الساخرة (مصطفى الحاج حسين )

الواقع والواقعية الانتقادية السّاخرة  

       قراءة نقدية في تجربة الأديب القاص

           (   مصطفى الحاج حسين ) .

----------------------------------------------------

----------------------------- إبراهيم محمد كسار

بطاقة تعريف :

* مصطفى الحاج حسين ابن محمد من مواليد حلب

( الباب ) 8/2/1961 م .

* ترك الدراسة في أواخر المرحلة الابتدائية ،وعمل 

في مهنة البناء مع والده .

* عصامي الثقافة واسعها ، أولع بالمطالعة ،

حتى بدأت تظهر أولى كتاباته وهو في الخامسة

عشرة .

* يكتب الشعر والقصة القصيرة ، والخواطر،

والمذكرات ، والمقالات الأدبية .

* صدرت له مجموعة قصصية بعنوان (( قهقهات

الشيطان )) بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب عام

1998 ، عن دار الثريا بحلب .

* أورد له خطيب بدلة في مجموعة (( الساخرون ))

قصة إلى جانب كبار كتاب القصة في سورية .

* تحدثت عنه مقالات ودراسات كثيرة في الصحف

والمجلات المحلية والعربية .

* ينشر نتاجه الأدبي في مجلات وجرائد الوطن

العربي .

* نال أكثر من جائزة أدبية في مجال القصة محلياً

وعربياً منها :

  -- جائزة اتحاد الكتاب العرب بحلب 1993

-- 1994

          -- جائزة المركز الثقافي العربي بحلب

1992 م

       -- جائزة د . سعاد الصباح للإبداع الأدبي

بالكويت 1994 .

* لديه مخطوطات قصصية ، إحداها (( فشّة

خلق )) قيد النشر ، ومجموعات أخرى مخطوطة ،

كما أن لديه مجموعة شعرية مخطوطة من قصيدة

النثر بعنوان (( نوافذ على الجرح )) .

       لم أعهد في أصدقائي الأدباء ، أو في الكتاب

الذين أعرفهم حماساً للأدب يماثل حماسه ، ذلك أنّه

- باختصار شديد - ذو إصرار دائب على الأدب

والكتابة الإبداعية .

فقد كتب الشعر ردحاً من حياته ، وكان شعره خالياً

من الإيقاع الخارجي ، فهو - من هذه الجهة - قد

ينتمي إلى ما يسمى (( قصيدة النثر )) لكنه من

حيث التصوير والبناء الشعري قد ينتمي إلى شعر

التفعيلة.

       يزخر شعره بالصور المحلّقة ، فهو يملك

مخيلة واسعة الأفق ، ويرى أن القصيدة يجب أن

تكون مليئة بالصور الجديدة المدهشة لذلك تراه

يسعى سعياً حثيثاً إلى المزيد من التصوير الفني .

       أمّا موضوعات شعره فمتنوّعة ، ولكن يغلب

عليها موضوعان أساسيان هما : الهم السياسي -

الاجتماعي ، والغزل . وقد كتب في الحب نيفاً ومئة

قصيدة أطلق عليها أصدقاؤه تسمية(( الندويات ))

وقد جمع أشعاره بين دفتي مخطوط بعنوان

(( نوافذ على الجرح )) .

       تحوّل إلى كتابة القصة القصيرة ، فأنجز

مجموعة كبيرة من القصص ، تقدم بمجموعة منها

تحت عنوان (( الضّحك على اللحى )) إلى مسابقة

الدكتورة سعاد الصباح في الكويت ، ففاز بالجائزة

الثانية ، وتقدم بمجموعة أخرى تحت عنوان

(( قهقهات الشيطان )) إلى اتحاد الكتاب العرب

بدمشق

، فوافق على طبعها بالتعاون .

       إنّه القاص مصطفى الحاج حسين ، العين

الراصدة ، والحدقة الجريئة التي تلج عالمه

الداخلي ، كما تتسلل إلى عوالم الآخرين دون

استئذان ، لكنها تخرج منها بعوالم قصصية ناجحة .

       إنّه القاص الذي لم يغادر - في قصصه - حلب

وضواحيها ، فهو مخلص للمكان مرتبط به ارتباطاً

وثيقاً ، يؤمن بأن أية بقعة من الكون تنبض بمئات

القصص ، وما على القاص المبدع إلاّ أن يستلّ

قلمه ، ويحاكي ما حوله تسجيلاً فنياً مبدعاً .

       إن كل شيء حوله قابل لتحويله إلى قصة

قصيرة ، كل حدث مهما كان صغيراً ، وكل شخصية

أيضاً يملكان كمّاً قصصياً هائلاً

لذا نجد قصصه متحركة في جميع الأبعاد ،

متسوبة إلى كل الزوايا ، متنوعة المآكل .

       وإذاً ، فلا شيء -- على الإطلاق -- لديه عصي

على القصة وبالتالي يغدو كل شيء في الحياة

فنّياً ، إذا ما تيسّر له فنان يستطيع تطويعه ،

وتدجينه في أحد الأجناس الأدبية ، أو الفنّية .

       قد يقودنا هذا القول إلى أنّ قصص مصطفى

الحاج حسين واقعية ، وهذا صحيح تماماً ، لكنها

واقعية تمتلك حرية الاختيار ، فهو - على الرغم من

إخلاصه للوقائع إلى درجة التسجيلية أحياناً -

ليتدخل بخياله  الفني،  على مالا يتلاءم مع فكرة

القصة ، أو الرؤيا التي يحبّ أن يطرحها من خلالها ،

وهكذا تغدو واقعية

مصطفى في قصصه واقعية ذات بعدين:

1 - واقعية المضمون :

       فهو لا يكتب قصة من قصصه بمنأى عن أحد

المصادر التالية :

       التجارب الذاتية ، تجارب الأهل والأقارب ،

تجارب الأصدقاء ، الموروث الشعبي ، أو ما يشتهر

من أحداث الواقع المحيط .

       فهو كاتب مفرط الواقعية ، يختار قصصه من

الواقع المعيش غالباً ، فتطغى على قصصه سمة

التجربة الحياتية الحقيقية ، فكل ما يكتب عنه - بلا

استثناء-

رآه حقيقة ، وعاش جزءاً منه ، أو سمع عنه نقلاً عن

رواة ثقاة ، لذلك نرى تأثير قصصه -

في الغالب الأعم - سريعاً ومباشراً ، وهو يعمل على

الفكرة أحياناً ، لكنها يجب ألاّ تكون فكرة متخيلة ،

فيكتب قصة الفكرة ، ولكن تكون قبساً نموذجياً مما

يحدث في الواقع عادة وإن كانت غالبية قصصه

قصة حدث . ولنأخذ مثلاً على قصة الفكرة ، تلك

القصة التي كانت عنوان مجموعته المنشورة

(( قهقهات الشيطان )) حيث نجد (( نوري )) بطل

القصة ، وهو غلام بسيط ، يدخل إلى البيت ،

فيفاجأ بوفاة أبيه ، ويرى الجميع مجتمعين يبكون ،

فلا يستطيع أن يذرف دمعةً واحدةً .

       ويبدأ التفكير بأنه يشعر بالأسى لأنّ أباه

مات ، ولكنه - في الوقت نفسه - يسعد لهذا ،

ويسمي هذا التفكير وسوسة من الشيطان ،

فلا يمكنه إلاّ أن يبتسم رغماً عنه ، ها هو يقول :

       (( لقد مات أبي ، ينبغي أن أبكي ، حسدت أمي

ومريم وزوجة عمي وابنتها ، حسدتهنّ على

دموعهنّ ، المرأة دائماً جاهزة

للبكاء .. يالسعادتها .. ابتهلت إلى الله أن يمنّ عليّ

بدمعة واحدة ، لعنت الشيطان الرجيم في سري ،

صممت آذاني عن سماع صراخه : - لقد أصبحت

حرّاً طليقاً - ابتعد أيها الشيطان القذر ، فأنا أحبّ

أبي رغم كلّ شيء ، لقد سامحته .. أسرعت إلى

غرفتي  ،وعلى الفور بللّت إصبعي بلعابي ، ثمّ دهنت

جفني .. )) .

       إنّه يتذكر قسوة أبيه عليه ، وأنّه كان السبب

في عذاباته ، فهو قد حرمه من متابعة الدراسة ،

وأجبره على العمل . وفي محاولة منه لإقناع

الشيطان بالحزن على أبيه ، يهرب من الجميع خوفاً

من أن يكتشفوا ابتساماته . وفي المقبرة يبث

شكواه إلى جده الظالم الذي كان السبب الحقيقي

في بناء شخصية أبيه .

       كثرت الشخصيات في هذه القصة ، ولكنها

ظلّت جانبية ، بسيطة الحضور ، وقد سيطر السرد

على القصة على الرغم من وجودالشخصيات

والحوار القصير الذي يدور بينها ، عبر ارتباطها

بالبطل ، وكانت الخاتمة قوية ، فثمة دمعة واحدة

حقيقية انحدرت من عينيه ، ويحرص نوري على

إبقائها ، غير أنّ جنازة أبيه ما تزال بعيدة .

2 - واقعية الشكل :

       مصطفى كاتب غير مولع بالتجديد كثيراً ، فهو

-- غالباً -- ما يسرد قصصه بواقعية حادة ، معتمداً

المباشرة لفظاً ومعنى ، واضعاً نصب عينيه قارئه ،

فهو كثير الاهتمام به ، لذا يبتعد عن كل ما يبعده

عن القارئ ، ولا تكاد أمسية من الفعاليات الثقافية

بحلب شارك فيها مصطفى الحاج حسين تخلو من

تعلق المتلقين بقصصه المباشر من تأثيرها فيهم .

       إنّ القصة التي يكتبها حاج حسين تبقى عالقة

في الذهن ، مستمرة فينا بعد قراءتها،

أو سماعها ، ولذلك يعود -- في ظني -- إلى أمرين ،

أولهما الحرارة التي تمتلكها قصصه ،

فهو يختار المواضيع الساخنة ، بحيث تظهر حيوية

متدفقة ، توحي بطزاجة الحدث وواقعيته ،

وتلامسنا أياً ما كان انتماؤنا أو اتجاهنا الفكري ،

وثانيهما بروز جانب النقد الاجتماعي الذي يعتمد

على السخرية المرّة

غالباً ، وهكذا نراه يكشف زيف علاقاتنا الاجتماعية ،

ويقوم بتشريح دواخلنا ، ونحن

نستمع إليه مستمتعين ، ونتابعه لأننا نلمس في

قصصه واقعية انتقادية محببة ، تسعى إلى تغيير

الظواهر السلبية بثورية مقنعة ، تتسلل إلى النفس ،

لتفعل فعلها النقدي الواقعي العميق .

       ويقودنا هذا إلى الحديث عن قدرة مصطفى

الحاج حسين على الدخول إلى عوالم النفس

الإنسانية ، بحيث يستطيع استكناه الدوافع

الداخلية ، فيتتبع خطاها بقدرة فائقة ، إنّه قادر على

سبر أعماق الإنسان ببساطة مدهشة ، وبذلك نجد

غالبية أبطاله مصابين بعقدة (( مركب النقص )) ،

فهم يحاولون جاهدين لتغطية عقدتهم تلك

بأساليب وسلوكيات مختلفة ، تبدو مضحكة أحياناً ،

وهذا ما نجده واضحاً في معظم ققص حاج

حسين ، من مثل قصة (( واقتنى

تميم نقاده )) حيث نرى شخصية تميم هذا

شخصية مأزومة منذ البداية ، فهو شاب مدلل ، غير

أنه يشعر بالعجز لرسوبه المتكرر بالجامعة ، فيجرّب

التمثيل في المسرح الجامعي ، فيفشل ويغدو أخيراً

شاعراً بالمصادفة الساخرة ، وهي مصادفة تعتمد

النقد الفكري والفني من قبل القاص ، فالناقد

الشاب هو الذي منح تميماً إجازة الشعر ، على الرغم

من لجنة التقييم وآرائها ، في المهرجان الشعري

الجامعي ، وحيث يصبح

بيت تميم مزاراً لكل محرري الجرائد والمجلات من

العاصمة ، فإنّ القصة ترصد المال والجاه قيماً عليا

في الأدب والفن ، وتسجلها نظام ضدّها .

       والقاص مصطفى الحاج حسين يرسم

شخصياته بعناية ويهتم بعرض جزئيات من

حياتهم ، فقد يضطر - أحياناً - إلى العودة نحو

الماضي لاستكمال صورتها منه ، وغالباً ما يرسم

الصفات الجسدية والخارجية للشخصية ، وذلك

للوصول إلى قدر أكبر من

تحديدها ، وبخاصة تلك الصفات التي تمنح

القصة سلاح السخرية الحاد ، في النقد الواقعي ،

وتعرية السلبيات فيه .

       إنّ تجربة مصطفى الحاج حسين تجربة غنية

فيما يبدو ، فهو قد أفاد من تجربته الشعرية بحيث

نلحظ الشعرية في لغته القصصية ، وكذلك قدرته

على التصوير الفني المتقن ، يجسد لنا الشخصيات

والأحداث تجسيداً حيّاً ومباشراً ، فنكاد نلمسها

بأيدينا ، وهو -- في سبيل ذلك -- يصر على جعل

المتلقي يلهث وراء الحدث ، عبر حشد الكثير

التراكيب والألفاظ والصفات ، معتمداً عنصر

المبالغةمن في عملية

التشويق ، لشد المتلقي الذي يضطر -- بدافع

الفضول على الأقل -- لمتابعة القصة ، وكثيراً

ما تنجح هذه المحاولة ، فتترك آثارها الإيجابية

الباقية في المتلقين .

       وربما كان من الضروري الإشارة إلى أنّ

أجواء قصص الحاج حسين هي أجواء متنوعة

متباينة ، فهو يمتح من الذاكرة أحياناً ، فيكتب

قصصاً تعود إلى تجارب قديمة ، تصور جانباً هاماً

من مدينة ( الباب )

مدينته الأم ، فيكشف من خلالها الواقع المتردي ،

ويصور مافيها من أمراض اجتماعية وأخلاقية

وفكرية ، وقد يتجه إلى

عوالم المثقفين ، والأدباء منهم بخاصة فيسجل ما

يعتمل في هذه العوالم من زيف وخداع ، ويعري

شخصيات هذا العالم ، بجرأة تصل حدّ الفضيحة ،

في بعض الأحيان ، وهذا ما جعلني أطلق عليه ذات

يوم صفة ( الكاتب الفضائحي ) ، وكان ذلك

في النادي العربي الفلسطيني ، في أمسية

أقيمت احتفالاً بالأدباء الذين فازوا بمسابقة

دار سعاد الصباح من حلب وكان منهم ، وكذلك في

نادي التمثيل العربي للأدب والفنون .

       إنّه كاتب لا بتحرّج من رصد سلوكيات الأدباء

وأحوالهم الداخلية ، ويبدو كل ذلك نابعاً من تجربة

حقيقية له ، إذ عايش ، ويعايش واقع الأدباء

وتربطه بمعظمهم صداقات كثيرة .

       فقد كتب الكثير من القصص ، كان أبطالها

شعراء وقصاصين ونقاداً ، من مثل

( واقتنى تمتوم نقاده - إجراءات - الضحك على

اللحى - القصيدة الميتة - المبدع ذو الضفتين .. ) .

       ولنأخذ الأخيرة مثالاً على ذلك ، حيث نرى

شخصية أدبية ومثقفة ، أو هكذا يدعي

صاحبها ، متخمة بجنون العظمة ، وهذا --

فيما يبدو -- معادل موضوعي للشعور بالنقص .

وتقوم القصة بفضح هذه الشخصية من كل

الجوانب ، ورصد تحركاتها

النفسية من خلال كلامها ، ويأتي السرد عن طريق

البطل ( الراوي بصيغة الأنا ) . والقصة تسجل

انتقاداً صارخاً لكل أولئك الذين يستسهلون العملية

الإبداعية ، وأيضاً تنتقد الثقافة وأوضاعها الراهنة

ابتداء من النشر وانتهاء بالإبداع الحقيقي ، وكذلك

تنتقد الدارسين الجامعيين ، وغيرهم من النقاد

والمثقفين .

       ويبدو التأزم في القصة واضحاً منذ البداية ،

ويأتي التسلسل الزمني في سبيل عرض الحالة

والاستغراق فيها أكثر ، فالبطل

- هو ربّ الشعر كما يقول - يقرر كتابة القصة

القصيرة ، مفتخراً بكل تجاربه على جميع الأصعدة ،

ويبدو أنّه مضطر إلى الكتابة القصصية ، فهو وصل

إلى قناعة مفادها أن القصة أكثر استيعاباً لحوادث

الحياة وهمومها من الشعر ، وكذلك فإن زوجته

تحب القصة ، وهو الآن يميل إليها . وقد برزت في

هذه القصة شخصيّة واحدة ، وزمن واحد ، وإن كان

ثمة أزمان ماضية ذكرت من خلال السرد ، وجاءت

الإنارة داخلية ، فلا غموض ولا إبهام في القصة .

       وكذلك يمتح القاص الحاج حسين من قاع

المجتمع الغائص في مستنقع العادات والتقاليد

البالية ، فيكشف لنا أنماطاً من السلوكيات

والتصرفات في هذا الواقع ، يعرض بأخلاقيات هذا

المجتمع وقواعده ، معرياً زيف بعض شخصياته ،

من مثل قصة (( دستور من خاطره )) التي ترصد

شخصيةمدّع شيخ طريقة ، وهو يظهر التقوى

ويدعي الإيمان ولكنه - في الحقيقة - بؤرة للرذائل ،

وأصناف الفجور .

       وقد يعتمد القاص مصطفى الحاج حسين على

الموروث الشعبي في بناء قصته

، مفيداً من حادثة شعبية صغيرة ، يقوم برسمها في

قصة فنية متكاملة ، كما في قصة (( باثور

الشاويش )) وأيضاً في قصة (( تل مكسور )) ،

وتعد هذه الأخيرة من أجمل قصصه ، فهي - وإن

كانت مبنية على

واقعة صغيرة ، فحدثت في إحدى القرى التابعة

لمدينة حلب - إلاٌ أنه استطاع - من

خلالها - تناول واقع القرية ، وما فيها من جهل

وتخلف وخوف ، وبخاصة أمام معلم المدرسة

المتعلم ، وهو معلم وحيد ، ينفش

ريشه كالطاووس ، ويخدع أهل القرية مدّعياً

بأنّه مسنود من العاصمة ، ويتخذ من التهديد

بتقاريره السياسية سلاحاً له أمام الأهالي ،

الذي يخضعون له في النهاية ، بما فيهم المختار ، ولا

يملكون حياله أي فعل ، وتتأزم

القصة ، فتكون الذروة عندما يشاهد المعلم

تلاميذه يلعبون بكرة صنعوها من الخرق ،

يهجم عليهم ، فيكتشف أنّ علم المدرسة قد

حشر أيضاً في الكرة الخرقية ، وتبدأ المأساة

فهو لا يرضى بمثل هذا الفعل ، وتتنامى القصة

بأحداثها لتصل إلى المواجهة الصارخة بين معلم

الابتدائي وبين خديجة زوجة الشهيد ، وابنها جمعة

الخلف تلميذ المدرسة ، حيث يتهمه المعلم لأن

الأخير يرغب بأمه التي تأبّت عليه كثيراً ، ويبدأ

بضربه ، وتجتمع القرية ، وتكثر التوسلات ،

ويتدخل المختار ولكن المعلم لا يرضى ، ويهدد

ويزبد بأنه سيكتب تقريراً للسلطات الأمنية ،

وسيسجن هذا الخائن ، وتقف خديجة الأم بين

الجمع ، وبخبث يجرها المعلم للحديث

والاسترحام ، حيث يبدأ بالتهجم على زوحها ،

متهماً إياه بالخيانة لأنه والد جمعة ، وهنا تنفجر

خديجة فزوجها مات شهيداً ، ولا تقبل مثل هذه

الإهانة ، فتحقر المعلم ، وتهجم عليه لتضربه

، وتأتي النهاية لتشير بطرف خفي إلى استشراء

الخوف ، وانتشار الجهل الذي يجعل الجميع يقفون

مكتوفي الأيدي ، يدفعون ضريبة جهلهم وخوفهم

وتكون الخاتمة القوية التي تعد من أجمل خواتيم

قصص الحاج حسين ، حيث يوقف اللحظة

الزمنية ويد خديجة مرتفعة للأعلى ، قبل أن

تنزل على خد المعلم ، وكأنها ترتفع بدلاً من

علم البلاد .

       إنها قصة ناجحة قصصياً وفنّياً ، تمتاز بالحرارة

والصدق ، وحركاتها المكانية والزمانية تندغمان

ليضيع الوصف والسرد في خضم الأحداث .

       وكثيراً ما نرى شخصيات قصصه نموذجية ، أو

بتعبير أدق ، يصورها القاص ويرسم أبعادها لتغدو

نموذجية ، ولا نعني -

هنا - الحكم القيمي عليها ، فقد تكون سلبية

أو إيجابية . وربما كان من الضروري أن نشير

إلى أنّ معظم شخصياته هم من الشباب الذين

يعيشون أزماتهم الواقعية والإجتماعية ، وفي

أحيان أخرى أزماتهم العاطفية والفكرية ، ولا شك

أن ذلك نابع من

كون القاص شاباً حتى الآن طبعاً .

       وها هي قصة (( الإنزلاق )) تبدأ بوصف

حافلة مكتظة بركابها ، وتتجه العدسة نحو

البطل المثقف ، مدرس الفلسفة وعلم النفس

محشوراً بين الجموع ، إنّه فقير يعيل أمه وأخواته

العوانس ، مكبوت لا يقدر على الزواج ، يقف وراء

شقراء في الحافلة المزدحمة ، وتبدأ هواجس الكبت

والأخلاق بالصراع في رأسه وعبر المونولوج

الداخلي

يكشف القاص بطله وهو يؤكد لنفسه بقوله:

       ((  سقط القناع ... إنّي بكل بساطة أنقسم إلى

اثنين ، مدرس فلسفة يتشبث بالأخلاق .. وحيوان

شهواني  ))

       ويسقط في خضم الصراع يدفعه كبته

الجنسي ، ولكنه يكتشف أنّ هذه الفتاة إحدى

طالباته .

       ولا تغيب المرأة عن قصص الحاج حسين ،

فهي موجودة في كل قصة تقريباً

ولكن ثمة علاقة مشوهة - أحياناً - بين تلك

المرأة من جهة ، وبين الرجل من جهة أخرى

إذ غالباً ما تظهر العلاقة غير سوية بينهما ،

ولا نقصد علاقة الحب فقط ، بل المرأة أماً

وزوجة وابنة وحبيبة . وتظهر المرأة لديه

أحياناً أخرى قوية فعالة ، وصاحبة موقف حقيقي ،

من مثل قصة (( شرف العائلة ))

و (( تل مكسور )) .

       وكذلك لا يغيب الوطن ولا الأرض عن

قصصه ، حيث نجدهما كثيراً ، وبخاصة في

قصة (( شرف العائلة )) ، وذلك عبر رمزية

تشف عن المغزى من ورائها فهي - فيما يبدو

- قصة فلسطين الجريحة ، ويبدو الأعمام الكثيرون،

وهم في القصة رمز للدول العربية

، غير مبالين إلاّ بأنفسهم ومصالحهم ، وهم

يعرضون على ابن عمهم / الأب في القصة ،

أن يقوم ابنه بقتل الفاجرة ، التي خرجت على

قواعد العائلة وشرفها ، فهم يريدون غسل العار ،

ولكن ليس بأيديهم أو أيدي أبنائهم ودون أية

خسائر ، وكذلك في قصة

(( تل مكسور )) التي تشي عن رمزها بوضوح تام ،

حين ترتفع يد زوجة الشهيد في وجه المعلم مثل

علم البلاد خفاقة مشرقة .

       وإذا كان لا بد من الإشارة - في،النهاية-

إلى بعض الملحوظات الفنية ، فإنني أشير

إلى أن قاصنا يعتمد على السرد كثيراً ، وهو

ما يسوقه إلى الاستطراد ، الذي يوسع من

حدقة القصة القصيرة ، أو يشغلها بحوادث

جانبية وسخصيات إضافية .

       هذا مع الإشارة إلى أنّ القاص يجيد عملية

القص في النسق الحكائي ، ولكنه يتدخل - أحياناً -

في صلب القصة ، فيعلّق ،

أو يضيف عبارات توضيحية لا داعي لها . كما أننا

نلمس،خطابية ومباشرة في عبارات

قصصه ومفرداتها ، ولربما تقوده إليها رغبته

العارمة بالمبالغة والإثارة ، ولكنه يستطيع --

بما يملك من قدرة على الحبكة ونسج خيوطها

الفنية -- إذكاء حدّة الصراع بين الشخصيات ،

ورسم عدة عقد في القصة الواحدة ، أو أكثر من

ذروة فيها ، وهذا يؤدي

إلى تأثيرها في المتلقي وربطها به ربطاً حميمياً عبر

نمو عنصر التشويق والإثارة .

كما يمكن الإشارة إلى نمطية اللغة القصصية،

هذا مع التنبيه إلى نجاح لغة الحوار في قصصه

غالباً ، حيث نراها مناسبة للشخصيات ، تميل إلى

الحديث العادي ، دون اللجوء إلى عامية مغرقة ، أو

فصيحةمعقدة .

       وأخيراً يمكن القول إنّ تجربة القاص مصطفى

الحاج حسين تجربة غنية و واعدة حقاً ، تنبئ عن

خير كثير وعطاء فني متميز

، فيما إذا تابع معاناة الأدب حياة وقراءة وكتابة .

ولا أجد ما يلخص ويصور شخصية

قاصنا إلاّ قول الشاعر أبي الطيب المتنبي حين قال :

وإذا كانت النفوس كباراً

                       تعبت في مرادها الأجسام .

                 إبراهيم محمدزكسار
                          حلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق