دار الحديث عن الغيرة والشك
فإذا بها قد ارتفع صوتها ودموعُها تنسكب
من مُقلَتّيها تردد بصوتٍ مُتقطع امتزج بالعبرات
_ لِما تفعل هذا بي ؟
لما قيَّدتَ مِعصماي بأسوارِ العهد المقدس
والآن اجدُك مُستمتع تلهو مع تلكَ الشاحبة المُتأنقة ؟
اخبرني لِما
فلا تلتزم الصمت وتتماثل امامي كالجدار !
فقبضتْ يداها لتضعها على فاها وتُطأطئ رأسها تشُد في البُكاء
ضاق صدري منها واحرقتني دموعها المتطايرة
فدموع من تُحِب من بضعُ دمِك وكُلِّ راحتك
رفعتُ رأَسي وحدقتُ بعينها قائلاً :
_كفى
الم تنضجي بعد , ماهذا الهُراء ؟
واذا بي اقلبُ الطاولة التي أَسنَدتْ قبضتاي الغاضبتين
فهرعت مني خائفة
لتقول :
_احمق ولن تعي ما تفعل
أُقسم لن تراني مرة أُخرى
ولن تجدني مرةٍ ثانية
فأنْصرفت لِيعصف بي ريحُ الباب الذي اغلقتهُ حال خروجها من المنزل
أسرعت خلفها لأَمنعها من الخروج لكن غضبها كانَ أسرع مني
اكتفيت ان أراقبها وهي تغادرُني حزينة
فأَراها والدموع تتناثر من المُـقل
كأَنَهُن لؤلؤ يهطُل كالغيث من غيمةٍ
أَثقلها حملُها أرهقها طول المسير
وضَعتَ كفيّها لِتُكفكِف دموعها في عُجالة
فاستقلت سيارتها وانصرفت دون ان تلتفت
اجل كانت غاضبة
وبعدها مضت الساعات وتوالت الأَيام
وأَنا كالمعطف لا احد يذكرني طالما البرد لم يقبل بعد
وفِي ذات يوم بعد شهران من الحادثة وأَنا اتنزه بصحبة رفيقة الطفولة
فإذا بي أَرى موقف قد أصابني بالذهول
حتى توقفتُ من فوري وأَدخُل في حالة
كأنني وحيداً على هَذِهِ البسيطة
إِختفى كل شيء من حولي
سوى ما أُشاهِدهُ من منظر إِقتلع قلبي من وتينه وبدأتُ لا أَرى شيء سواه ولا اسمع الا ما إخترق مسمعي من ضحكاتٍ عاليةٍ منها
يضع يداهُ على كتفِها محتضن العالم بأسرهِ بين ذراعيّه
ويهمِس بأُذنِها كلاماً لا اسمعهُ سوى القهقهات التي دوتْ الأَرجاء او دوتْ بي فقط
لِيُنزل يدهُ ويتحسس يدها بِلطفٍ ويقف امامها
فيرفعُها واذا بهِ يحملها بيديه وهي تُعانقهُ مسرورة
وكيف بي , وقد تصببتُ عرقاً حتى غرِّقتُ بهِ
وخفق القلب بشدة
وكأَنهُ مُعترض هو الآَخر على ما شاهدت
وتاخذني الظنون ويشرُد مني فكري
كأنني قطعان ريم شُرِدَت في فلاة
تعانقهُ وتضحك ويركضُ بها كطفلتهِ الوحيدة
يارباه , انقذني وهدأ من روعي
حالما وصلا حيثُ انا
رمقتني بطرفِها عابِرة
وتناست الوّد الذي هدمناه
لتاخذهُ بعناقٍ شديد وكأَنها تقول :
_هي الدنيا تاخذ مني النجم لتمنحني القمر .
وكيف يعقل وانا كُنْتُ لها كل السماء ؟
ومرت بِخُطى حامِلُها من جنبي
وكأنني أودع قريباً إلى لحده
تجمدتُ وسكن كل شيء من حولي
حتى حواسي دخلت في حِداد فلزمن السكون مواسية
فانْتُزع نهاري برُمتهِ بسبب ما رأيت
وأَمْضيتُ ليلي من كأسٍ لكأس
وقاروةٍ وأُخرى عليَّ انسى ما رَأَيْت
فأمسكتُ الهاتف الذي صمت منذ يوم خروجها مني مستائة غاضبة
وكأَنهُ يقول :
_هل ارقك نبضاً قد سعر بعد خمادهِ
ام لسعة شوقاً قد احرقت ذاك الفؤاد
اتُراك تُلمْلّم اشيائك مجدداً بعد عثوائها
بين رُكام ذكرياتها التي تركتها ؟
فبتُّ أُلمْلِّمُ جِراحي بدموعٍ صامتة
كُلما ثار الحُزن لِتخُط المُقَل بِسواد كُحلِّها المُستمِد منها
اصدق العبارات
لعلها تملك قلب اصم لا يسمع أنيني
او عُميٌّ لا ترى ظلَّ قلبي المائل امام ناظريِّها وهو بها كان مستقيم
فبدأتُ أَكتُبُ لها عبر الرسائل قائل:
هل يا تُرى
نَظَمَ في حُبُكِ الأشعار
ورسُم ملامِحُكِ
على جداران المدارس
ونقشَ اسميكُما في جذوع الأشجار
هل عَطَّـَر جِيدُكِ
بعبقِ الورد , و شذى الأزهار ؟
أيغزِلُ إسمُكِ كنقشٍ
على ذراعهِ كقبطان البحار ؟
ايقطُفَ لكِ ساعة ضجرِك
النجوم والكواكِبَ وبقية الأقمار ؟
هل يا تُرى
يغفوا على صوتُكِ مُستأنِسا
ويروي لكِ قِصَص غرامَ الصغار ؟
أيشتاط غيرة لو رأى لكِ
سطراً في خاطرة
او همساً مستعار ؟
هل اسماكِ كما اسميتُك
هل عزلكِ حُباً , عن جميع الأنظار
هل سهر الليالي باحثاً عن املاً يعيدُكِ
ليقطفَ ثمرة هجرك
بعدما تجرع مرارة الإنتظار ؟
هل اخبرتيه عن عطرك المفضل
ألقَبْتِيهِ بفارسُكِ المُبجل ؟
ونقلتي لَهُ يومك المفصل
هل تغارين عليه
ام اكتفيتِ بِحلمُكِ الأول ؟
هل يا تُرى
اخبركِ عن حياتِه
وما لَهُ جرى
هل سَهِـر الليل معك
وقبل الوجنات والجيدَ فهَوى ؟
هل قال لكِ صادقاً
اني رأيّتُكِ في المنام
وعانق طيفُكَ بهيام ؟
هل رفض دونك العشرات
واكتفى بكِ , دون الأخريات ؟
هل فعلاً تُحبيه ؟
ام هو وقتاً فَتقضيه ؟
أنظَمتِ لَهُ القصائد
اكتبتِ بحُبهِ الخواطر
هل فعلاً انتِ تحبيه ؟
لما عنا تتواري
هل محتارة من تختاري
لم يعد شيءٌ يعنيني
ذَبُلت معك ملامحي
وضاعت أيامي وسنيني
بورِّكَ في قلبٍ قد ألِفَ
مِثلُكِ يا طفلةٍ ترفة
فإذا بالرسالة لم تُرسل
ربما حظرتني ,او اغلقت هاتِفها الى الأبد
فلا اعرف الآن هل خسرتها ام ربحت نفسي ؟
أَخسرتُ الماضي بأحداثه وذكرياته
وربحت مستقبل يخلو
منها ومن طيشها الطفولي وضحكاتها البريئة
ام خسرتُ الماضي وحاضري بخسارتِّها ؟
لكنها ماتزال تعيش معي وبي
لازالت روحها ترافقني
تباً ماهذا الشقاء يا إلهي
روحها تسكُنني وهي على قيد الحياة
وانا على قيد الذكريات انتظر تحريراً منها
فكيف بهذا العذاب المتجدد!
أنا مسكونٌ بروحِها
أمن مصلٍ منها يُنجيني ؟
أَمنْ كي منها يشفيني ؟
فما عدتُ أطيق ذلك
يارباه , ما أسعدها وأشقانـي
قد كُنْتُ لها وطن
لكنها بادرت بالهجرة باحثة عن وطنٍ ثانٍ
» مقتطفات من روايتي «
» رمز الحُب «
ادم الحديثي
أخر الفرسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق